قضاة المخزن الحسيني والتمرد حتى سنوات 1750 م : القاضي علي شعيب نموذجا
سعى العثمانيون منذ استقرار هم بتونس في أواخر القرن السادس عشر إلى إضفاء نوع من الشرعية على سلطتهم، وعملوا على توظيف الإسلام وإشعاع القائمين عليه لإنجاز مشاريعهم. ويتناغم ذلك التوجه مع الشعارات الدينية والشعبوية التي رفعها سلاطينهم خاصة أثناء توسعهم وحروبهم ضد القوى المسيحية، إضافة إلى كون رجال الدين حبذوا المشروع العثماني ورفضوا المشروع القبلي للحركة الشابية . ولهذا قرب حكام الإيالة بعد سنة 1574 النخبة العالمة وزعماء االتصوف المتحالفين معهم، وأظهروا في الغالب عناية فائقة بالمنشآت الدينية (جوامع، أضرحة، زوايا خاصة منذ العهد المرادي. وكانت مساندة جهابذة الفقه الديني شرطا أساسيا لتلميع صورة السلطة من جهة، وضمان حظوظ أوفر لبناء حكم مركزي قادر على الانفراد بالقرار واحتكار الجباية من جهة أخرى. وتبلورت استراتيجية البايليك تجاه فئة رجال الدين منذ مطلع القرن الثامن عشر، نظرا لحرص السلطة الحسينية على دعم مشاركة المحليين والحد من هيمنة مؤسسة الجيش. ولهذا أضحى رجال الدين بصفة عامة وشريحة القضاة بصفة خاصة مرتبطين بقصر باردو، وشارك المقربون منهم في صنع القرارات والأحداث الهامة . ويعتبر القاضي علي شعيب نموذجا للقضاة والعلماء الذين التصقوا بالبلاط في العهد العثماني، إذ عاشوا على وقع التحالفات السياسية ولم يسلموا دائما من مؤامرات القصر وتبعات الاستبداد. وسنحاول في دراستنا تتبع سيرة هذا الفقيه الآفاقي Provincial الذي وظف الدين والقضاء لفائدة سيده الباي، خاصة أن الوضع السياسي بالبلاد التونسية بقي هشا في النصف الأول للقرن الثامن عشر. فما هي مكانة ذلك القاضي داخل مؤسسة المخزن أثناء فترة 1705-1735م ؟ وكيف تفاعل مع أحداث الصراع الحسيني-الباشي ونتائجه حتى سنوات 1750م ؟