سارتر وإشكال الحرية
استأثرت مسألة الحرية باهتمام الفلاسفة منذ القديم فظهر فريقان : فريق ينفيها باسم الجبر والضرورة وآخر يثبتها بحجّة حرية الاختيار وقدرة الإنسان على بناء ذاته واستقلال إرادته عن المؤثرات. وقد تواصل هذا التقاطب بين أنصار الحرية وخصومها خلال القرن العشرين خاصة بين الماركسية التي قال المنتسبون إليها بالضرورة واعتبرت الحرية وعيا بالضرورة والوجودية التي اتسمت بأنها فلسفة الحرية الإنسانية. ومن الوجهة الفلسفية كان مركز الثقل في الوجودية هو الوجود الإنساني الذي سعت هذه الفلسفة إلى وصفه ورصد منعطفاته وفهم معناه.
إن الوجودية بوجه عام هي تيار متنوع المشارب ظهر في لحظة تاريخية مميزة. وقد اشترك الوجوديون في طرح جملة من الإشكاليات دون أن يتضمن ذلك تجانسا بينهم. فقد طرحوا مسائل التناهي والالتزام واللامعقول والحرية، غير أنهم اختلفوا بحسب انتمائهم إلى الوجودية المؤمنة أو الوجودية الملحدة. وقد كان لسارتر الدور الكبير في التعريف بالوجودية ونشر مبادئها وبناء فلسفة ارتكزت على الحرية والمسؤولية. فما هو تصور سارتر للحرية وما العلاقة بينها وبين العدم والالتزام والمسؤولية ؟ لماذا ذهب إلى القول - عندما كانت فرنسا تحت الاحتلال النازي - بأننا "لم نكن أكثر حرية إلا تحت الاحتلال الألماني" ؟ أي صورة قدمه سارتر عن الإنسان وما مضمون تصوّره للحرية والتحرر؟