المتكلم في الخطاب الوجيز المثل أنموذجا
تثير دراسة المثل قضيتين أساسيتين مدار الأولى على كون المثل خطابا توجب دراسته من الزاوية التلفظية إنماءه إلى قائله الذي نظرنا فيه من زاويتين: زاوية التعدد التي دلنا عليها أن الأصوات في المثل ليست واحدا بما يقتضي أن نميز بينها تمييز أوزوالد ديكرو. فهي زاوية الذاتية التي تسم كل ملفوظ ومنها تثبين ملامح ارتسام وأما الزاوية الثانية . ذات المتكلم في المثل أيا كانت صفة هذا المتكلم في الخطاب وعلاقته به، وفي ذاتية كشفت الخلفيات الإيديولوجية التي تدفع القول وتوجهه توجها ضمنيا
أما القضية الثانية فمدارها على المفارقة الحاصلة بين إيجاز اللفظ واتساع الدلالة. فالمثل الذي لا يجاوز إنشاؤه، غالبا الجملة بمفهومها التحوي يكتنز من المعاني ما جعل التأليف فيه كثيفا والتنافس بين رواده على أشده لنيل السبق في ميدانه. ولما كانت القدرة على الاختزال أجل منها على التوسع لما في الأولى من دقة انتقاء اللفظ وجهد تكثيف العبارة وتخير بنية الخطاب المناسبة رأينا أن تنظر في قضية إيجاز المثل باعتبار دلالتها على بلاغة المتكلم وفي علاقتها بستن الخطاب البليغ كما تداوله أهل البيان قديما. وقد بدا لنا المثل حدثا مزدوجا: حدثا اجتماعيا باعتباره مجالا فسيحا رغم اختزاله لتبين منظومة القيم التي تقود العرين في فترات من تاريخه فتحدد مواقفه من الوجود والإنسان وشبكة العلاقات التي تتأسس على ذلك وحدثا لسانها بالنظر إلى ما ضبطه مؤلفو الأمثال من شروط الانضواء تحت هذا الجنس على نحو ما أورده الميداني في مقدمة مجمع الأمثال من تعريف إبراهيم النظام للمثل بقوله: يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة ، فكان البحث في بلاغة هذا القول الوجيز من هذا المنطلق