الدولة الوطنية في تونس وتجربة الانفتاح خلال عقد ونصف التجليات والحدود
لعلّ أهمّ ما تروم هذه الدراسة هو محاولة تبين مدى نجاح / فشل التجربة التونسية في البناء الوطني في الانتقال من نمط في الأداء السياسي انطلاقاً من مختلف تجسيداته إلى نمط آخر مغاير إلى درجة المفارقة، من حيث دواعي هذا الانتقال، تجلياته وحدوده. فإذا ما جاز لنا الحديث في إطار التجربة التونسيّة عن انفتاح اقتصادي وتوجه نحو الخيار الليبرالي في التعاطي مع المسألة الاقتصادية فإن السؤال الأهم يبقي متعلقاً بمدى اقتران هذا الانفتاح الاقتصادي بانفتاح سياسي ملازم له وضروري بحثاً عن النجاعة والجدوى والقدرة على التجدّد.
وبناء عليه خيرنا أن نعتمد منهجيًّا على تمش ينطلق من وصف التجسيدات (التجليات) الاقتصادية لكل مرحلة وخصوصياتها المميزة لنمر لاحقاً إلى محاولة الإحاطة بتجسيداتها السوسيو سياسية اعتباراً للعلاقة العضوية معرفيًا بين المستويين المذكورين.
ولقد انتهينا في عملنا هذا إلى أنّ هذه التجربة عرفت انتقالاً من الليبرالية غير المُمَأْسَسَة (الأولية الاعتباطية) نحو التعاضد على الطريقة التونسية وصولاً إلى الليبرالية الجديدة المتميّزة أساساً بعلاقة مفارقة بين رغبة في الخوصصة وتحرير الاقتصاد وتخليص الدولة من أعباء التزاماتها المكلفة، وبين عجز عن تحرير المجتمع وممارساته من النزوعات الوصائية الرقابية التي تحدو المجتمع السياسي، عبر المحافظة على النمط العلائقي القائم علي ثنائية استزلام تعزيب هذه الثنائية تنتهى حتماً إلى وضع تأرجح - يمثل في نهاية التحليل تأكيداً لبعد من أبعاد النيو باتريمونيالية للتجربة التونسية في مستوى علاقة الدولة بالمجتمع. إنها تجربة وجدت نفسها أمام نموذج دولوي متردد بين ممارسة الرقابة أو الانفتاح بشكل أدى إلى حالة تبعية على اعتبار أن الندرة تؤدّي إلى الاحتياج. لكن هذا الاحتياج من ناحية أخرى يحد من القدرات التوزيعيّة للدولة ورغباتها الرقابية على مؤسسات المجتمع اقتصاديا سياسيًّا، ثقافيًا ... فتنتهي في الأخير إلى ممارسة التلفيق بين اختيارات متعارضة.